فجوة واسعة بين واقع العرب وطموحاتهم /// لا استقرار سياسياً بلا تنمية اقتصادية

بقلم إبراهيم شكري دبدوب

لقد بلغ التحول الذي يشهده العالم العربي مرحلة تفرض علينا أن نبدأ بالنظر إلى المستقبل. لا جدال في أن الأصوات المطالبة بالحرية والديموقراطية هي أصوات محقة ومشروعة، لكن الحرية والديموقراطية لن تستطيعا وحدهما إخراجنا من نفق الاضطرابات وعدم الاستقرار والركود الاقتصادي المنغمسين فيه.

وكما كانت الحرية والديموقراطية العنوان الذي جمع دول ما يعرف بالربيع العربي طوال الفترة السابقة، فإن التحديات الاقتصادية والاجتماعية الجدية والخطرة هي العنوان الذي يجمع هذه الدول من اليوم فصاعدا، إذ تتشارك هذه الدول بما تواجهه من عجوزات مالية ضخمة، وموارد محدودة للإنفاق، وتراجع الثقة بعملاتها الوطنية، واضطرابات في أسواقها المالية، ونظم الدعم المهترئة وغير الواقعية التي تتبناها، وتجارة بينية ضعيفة، وتدهور في الاستثمارات الأجنبية المباشرة. هذا بالإضافة إلى معدلات البطالة المرتفعة بين شبابها، فيما تأمل شعوبها بأن يأتي الربيع العربي بازدهار اقتصادي ورخاء.

وفي ظل اتساع الفجوة بين هذا الواقع وطموحات الشعوب وآمالها، أستذكر ما قاله جورج مارشال مرة عند تقديم اقتراحه الذي أخرج أوروبا من كبوتها عقب الحرب العالمية الثانية- والذي سمي تيمنا به بخطة مارشال- ألا وهو ضرورة الاتفاق الكامل على المشاكل وعلى أسلوب معالجتها. وهذا تماما ما يحتاجه العالم العربي قبل أن تأمل شعوبه بتحقيق غاياتها.

ومن هذا المنطلق، كنت قد اقترحت منذ نحو ثلاث سنوات وضع خطة مارشال عربية تكون شبيهة بخطة مارشال التاريخية، لمساعدة المنطقة على مواجهة تحدياتها وتحقيق الاستقرار فيها. واليوم، أعيد تأكيد أن ما نحتاجه اليوم هو خطة مارشال عربية، إذ من شأن هكذا خطة أن تحدد إطار عمل مشترك لإعادة إعمار الاقتصادات التي أثقلتها الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن تشكل خارطة طريق للتكامل الاقتصادي العربي الذي ننشده جميعا.

إن الحاجة إلى خطة مارشال عربية باتت جلية اليوم أكثر من أي وقت مضى. فخلال العقد المقبل من الزمن، سيحتاج العالم العربي إلى توفير 85 مليون فرصة عمل جديدة لاستيعاب القوى العاملة الصاعدة، أي نمو سوق العمل بأكثر من %40 عن مستوياتها الحالية. كما سيحتاج إلى استثمارات ضخمة في قطاعات التصنيع وتقنية المعلومات والنقل وغيرها. وسيحتاج إلى إطار تنظيمي وتشريعي لتسهيل التبادل التجاري والاستثماري وضمان الاستثمار، وتقارب السياسات الضريبية، وخلق سوق مشتركة. كما سيحتاج إلى استعادة الثقة في العملات الوطنية وحماية الاستثمارات الأجنبية وتحفيزها.

وفي رأيي، فإن خطة مارشال عربية بإمكانها أن تشكل إطارا لكل ذلك. لكن على هذه الخطة أن تكون متكاملة وواسعة النطاق، وأن تكون بقيادة دول الخليج، وأن توضع بالشراكة مع المقرضين الدوليين مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبالتعاون مع الشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى، إلى جانب تركيا والصين واليابان.

ان هدف هذه الخطة هو تحقيق تنمية هيكلية وتكامل اقتصادي اقليمي وتحفيز التبادل التجاري والاستثماري العابر للحدود، كما من شأنها أن تعزز الفرص المشتركة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمساهمة في الاندماج الاقتصادي بين السوق المحلية والأسواق العالمية، الى جانب تسهيل اطلاق مشاريع البنى التحتية الحكومية، مثل بناء السدود ومحطات الطاقة وتحلية المياه وسكك الحديد والمواصلات العامة والجسور.

لا شك في أن المشاكل التي تواجه العالم العربي بالغة التعقيد والتشابك، وهذا يستوجب حلولا شاملة لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة عموما، وفي الوقت نفسه، توفير الدعم الاقتصادي والمالي لكل دولة على حدة. ان ما تم تقديمه لغاية اليوم من حلول يبدو مشجعا، ولكنه لا يكفي، إذ أن تعزيز معايير الحوكمة والشفافية وتحفيز النمو الاقتصادي كلها أهداف ضرورية بالطبع بالنسبة للمنطقة، لكن لا يمكن بلوغها من دون رؤية شاملة ومتكاملة.

لقد جاءت مكاسب الحرية والديموقراطية المحققة في مصر وتونس وليبيا محدودة، ومازالت حتى اليوم هشة وعرضة للانكسار في أي لحظة. لماذا؟ لأنه لم يصاحبها استقرار وازدهار على المستوى الاقتصادي، كذلك الحال، لن تثمر الإصلاحات الاقتصادية والسياسية في الأردن والمغرب ما هو متوقع منها من دون دعم مالي.

وفي ظل هذا الواقع، من الواضح ان الدعم الخارجي بات مطلوبا وضروريا. وبالتالي، فإن خطة مارشال العربية تفرض نفسها كحل وحيد لمعالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحادة التي تواجه عالمنا العربي مثل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ولإنهاء عقود طويلة من سوء الادارة والمحسوبية، ولدعم التعليم والتطور التكنولوجي، ولتبني نهج متكامل وموحد على مستوى المنطقة لتحقيق التنمية المستدامة.

لقد برهن التاريخ أن الاستقرار السياسي لا يمكن تحقيقه بغياب التنمية الاقتصادية. وامام المنطقة فرصة للنهوض وتعزيز إمكاناتها والبناء عليها من خلال الاتفاق على رؤية واضحة وشاملة ترتكز على العدالة الاجتماعية والاقتصادية والتنمية. إن ما نحتاجه فعلا اليوم هو خطة مارشال عربية.

 

من المنتدى الاقتصادي العالمي- البحر الميت

* الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك الكويت الوطني رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت 2013

أحدث القضايا

المزيد من القضايا >>