رسالة وفد مجلس العلاقات العربية والدولية لقداسة البابا فرانسيس الأول الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية الفاتيكان

قداسة البابا فرانسيس الأول

الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية

- الفاتيكان -

 تلقينا نحن في مجلس العلاقات العربية والدولية ببالغ السرور والتقدير دعوة قداستكم للحوار والتشاور في المسائل ذات النفع العام لمنطقتنا العربية ولقضايا السلام والعدالة في العالم .

ونشير هنا مع التقدير إلى مبادراتكم الهامة والكثيرة في السنوات الأخيرة والتي تصدّت لمعالجة القضايا والمشكلات المؤثّرة في السلام والعيش المشترك في العالم. مثل قضايا الفقر والأمراض السارية، ومشكلات البيئة وقضية الاحتلال والاستيطان المستمرة والمتفاقمة في فلسطين، وكوارث القتل والتهجير نتيجة التمييز الديني والعنصري والاستبداد والطغيان والظلم في سورية والعراق وميانمار وأنحاء أخرى من العالم . فضلاً عن انتشار التطرف العنيف وتأثيراته المدمرّة على استقرار المجتمعات والدول والأمن والسلم الدوليين، وهي قضايا ومشكلات سلكتم يا صاحب القداسة تجاهها مسلكاً متميزاً لجهة الإدانة ودعوة القادة الدينيين والسياسيين في العالم للتضامن في مواجهة التطرف والإرهاب من جهة، وإنكار نسبته إلى الإسلام من جهة ثانية. إنّ هذا هو الأمر الذي يُسهم بشكل إيجابي في مواجهة ظاهرة الاسلاموفوبيا في الغرب ومحاولة تشويه صورة المسلمين والادعاء بعدم قابلية ثقافتهم للتوافق مع قيم العصر رغم المشتركات الكبيرة التي تملكها مبادئ الإسلام مع قضايا السلام والعدالة وحقوق الإنسان في الحاضر.

قداسة البابا،

بدأ مجلس العلاقات العربية والدولية عمله قبل قرابة عشر سنوات جامعاً نخبةً من أصحاب الفكر وصناع القرار الحاليين والسابقين في العالم العربي بهدف التعامل مع حالة الاضطراب الهائل التي تعصف بالمنطقة العربية. ويهدف إنشاء هذا المجلس للتشاور والمراجعة والمتابعة والبحث في المحاور التالية:

1- الاضطراب الذي تفاقم في تجربة الدولة الوطنية العربية، وكيف يمكن مواجهته لاستعادة الاستقرار وحماية أمن المواطنين وتعزيز رفاههم السياسي والاقتصادي.

2- دعم التوجهات وتعزيز ممارسات الحكم الصالح والرشيد.

3- لجم التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية في البلاد العربية التي تغذي النزاعات الداخلية والانقسام على أساس ديني أو مذهبي فيها وتمزق نسيجها الاجتماعي، فضلاً عما تسببه من اختلال بالسيادة الوطنية وبأمن تلك الدول واستقرارها.

4- المبادرة لإجراء حوارات معمّقة مع المسؤولين العرب والمسؤولين في الجامعة العربية بغرض فتح وتوسيع آفاق النقاش والتشاور من أجل إجراء المصالحات والعمل على استعادة العافية للعمل العربي المشترك. وذلك بدعم من الهيئات والمجتمعات المدنية العربية التي تشاركنا ذات الأهداف والاهتمامات والأولويات فيما يتعلق بمسألة الحكم الصالح والرشيد وتعزيز الانفتاح والاعتدال، والدفاع عن القضية الفلسطينية، والاهتمام بالأمن والاستقرار في المنطقة العربية، ومواجهة التدخلات الخارجية في أمن وسيادة الدول العربية.

وخلال السنوات الماضية، ومن أجل العمل الفعلي على تحقيق هذه الأهداف الكبرى والبالغة الصعوبة والتعقيد، عقدنا اجتماعات دورية، وأجرينا اتصالات مع مسؤولين كبارٍ بالدول العربية ودول الجوار بهدف وضع دراسات حول المقاربات الضرورية لمواجهة تلك المشكلات الخطيرة التي تعاني منها المنطقة العربية والعالم .

 صاحب القداسة ،

 لقد تميزت مبادراتكم وإسهاماتكم الإنسانية الكبيرة بالأبعاد الدينية والحضارية القيمة ومنها:

أولاً: تحديد المشكلات وإصدار رسائل وإعلانات توجيهية بشأنها كرسالتكم في قضية المهاجرين واللاجئين وحقوق الجوار والضيافة، والقيام بزيارات إلى مواقع المشكلات والدعوة للخروج بحلول جذرية لها.

ثانياً: إبراز المعاني الدينية والإنسانية كوحدة واحدة، ودعوة القادة الدينيين والسياسيين إلى التعاون المخلص والتضامن في هذه المجالات.

وفي سبيل تكوين جبهة تعاون وتضامن استقبلتم يا قداسة البابا بالفاتيكان قيادات دينية عربية وإسلامية وقمتم بزيارات إلى بلدان العالمين العربي والإسلامي للهدف ذاته. ومن ذلك إسهامُكم في مؤتمر السلام العالمي مع الأزهر الشريف في جمهورية مصر العربية.

ثالثاً: دعوة الفاتيكان الملحة المؤسسات والمفوضيات الدولية والإقليمية إلى التدخل لإيقاف النزاعات المسلّحة وللعناية بالشأن الإنساني للمشردين والمهاجرين والذين هددت النزاعات نمط عيشهم وزعزعت استقرارهم ومن ضمنهم السوريون والعراقيون والفلسطينيون.

رابعاً: طرح مبادرات جديدة لحاضر العالم ومستقبله في تحقيق السلام والعدالة والحفاظ على البيئة، وتعزيز الحكم الرشيد، وبالتعاون مع المؤسسات الدولية السياسية والإنسانية العاملة بجد على حلّ المشكلات التي تهدد حاضر البشرية ومستقبلها. 

قداسة البابا،

 إنّ جهودكم النبيلة الخيّرة بالدعوة للسلام والعدل والإخاء الإنساني والتي نتشارك جميعاً في حمل أمانتها قد واجهت تحدّياً خطيراً وانتهاكاً سافراً لجميع المبادئ والأعراف والقوانين الدولية. وذلك من خلال إقدام الإدارة الأميركية الحالية على الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها دون مراعاة للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني وخلافاً لقرارات الشرعية الدولية. فضلاً عن تهديد هذه الخطوة للأمن والسلم الدوليين وزرع بذور الفتن والصراعات السياسية والدينية وتأجيجها والتي لا يمكن التنبؤ بأبعادها وتبعاتها الخطيرة لتجاهلها لحقوق ومشاعر شعوب المنطقة والعالم ومقدساتهم الدينية وتراثهم الإسلامي والمسيحي والذي تشكّل القدس جوهرته الإيمانية. وعلاوةً على ذلك، قام الكنيست الإسرائيلي أخيراً بالإعلان عن يهودية الدولة، وهو الأمر الذي ينطوي على تعميق التمييز بين الذين يحملون ذات الجنسية الإسرائيلية على أساس عرقي وديني. هذا فضلاً عن تكريس الاحتلال ومنع الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة. وفي هذا السياق، تجري كل يومٍ تقريباً من جانب المستوطنين- تساعدهم الشرطة- منازعة الفلسطينيين والمؤمنين على الصلاة في الأماكن المقدسة.

لقد لمسنا نحن في مجلس العلاقات العربية والدولية، ومن خلال متابعتنا لمسيرتكم الإنسانية النبيلة خلال السنوات الماضية أنّ هناك مشتركات كثيرة بيننا في الهموم والتطلعات.

إننا كمسلمين ومسيحيين نشعر بالحاجة إلى التفكير الجدّي بالمشكلات والتحديات التي تواجه منطقتنا، وإلى ضرورة مراجعة وتجديد العقد الاجتماعي الوطني على أسس من احترام الحريات العامة وحقوق الإنسان وقيم العصر الإنسانية الرفيعة، والدولة المدنية، وهي الأمور التي تضمن الحرص على العيش المشترك الذي لطالما كان سائداً على الدوام في شتّى بلدان المنطقة. وهي المنطقة التي ظهرت فيها الديانات السماوية الثلاث. فهناك أهمية للحفاظ على هذا العيش المشترك كنموذج يحتذى به في المجتمعات ذات التنوع الديني والعرقي. وهي المبادرات التي يمكن أن تُسهم في إرساء الحوار والتعاون بين ضفتي المتوسط حتى يصبح هذا البحر بحر الشراكة الإنسانية والثقافية والتعاون الاقتصادي بدلاً من أن يتحول إلى مستنقعٍ للموت والتهجير.

إنّ الوجود المسيحي العريق بالمنطقة العربية، والعيش المشترك مع المسلمين، هو بحدّ ذاته رسالة، وهو المستهدف والذي يُراد له من قبل البعض أن ينتهي، وعلينا جميعاً التعاون في فلسطين والعراق وسورية ولبنان لكي لا يحصل ذلك.

إنّ عظم الهدف ونبل المقاصد، وفداحة نتائج الفشل والإخفاق، كلّ ذلك يستوجب التشاور والحوار والتنسيق مع جميع القيادات والهيئات والمنظمات العربية والدولية، وعلى رأسها القيادات الروحية، وفي طليعتها قداستكم، نظراً للقواسم المشتركة الكبيرة من الهموم والطموحات والتطلعات وإدراكنا جميعاً لأهمية استقرار وازدهار المنطقة وتحقيق العدالة لجميع شعوبها وطوائفها بما يعنيه ذلك من أهمية حيوية قصوى لأمن وسلام العالم أجمع.

نشكر لقداستكم دعوتكم الكريمة ونتطلع إلى استمرار التعاون والتنسيق الأخوي المثمر معكم، متمنين لقداستكم دوام الصحة والنجاح في مساعيكم الإنسانية الخيّرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحدث القضايا

المزيد من القضايا >>